فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.السؤال الثالث:

كل ما يتوقف صحة كون القرآن حجة على صحته لم يكن القرآن هدى فيه، فإذن استحال كون القرآن هدى في معرفة ذات الله تعالى وصفاته، وفي معرفة النبوة، ولا شك أن هذه المطالب أشرف المطالب، فإذا لم يكن القرآن هدى فيها فكيف جعله الله تعالى هدى على الإطلاق؟
الجواب: ليس من شرط كونه هدى أن يكون هدى في كل شيء، بل يكفي فيه أن يكون هدى في بعض الأشياء، وذلك بأن يكون هدى في تعريف الشرائع، أو يكون هدى في تأكيد ما في العقول، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن المطلق لا يقتضي العموم، فإن الله تعالى وصفه بكونه هدى من غير تقييد في اللفظ، مع أنه يستحيل أن يكون هدى في إثبات الصانع وصفاته وإثبات النبوة، فثبت أن المطلق لا يفيد العموم.

.السؤال الرابع:

الهدى هو الذي بلغ في البيان والوضوح إلى حيث بين غيره، والقرآن ليس كذلك، فإن المفسرين ما يذكرون آية إلا وذكروا فيها أقوالًا كثيرة متعارضة، وما يكون كذلك لا يكون مبينًا في نفسه فضلًا عن أن يكون مبينًا لغيره، فكيف يكون هدى؟ قلنا: من تكلم في التفسير بحيث يورد الأقوال المتعارضة، ولا يرجح واحدًا منها على الباقي يتوجه عليه هو هذا السؤال، وأما نحن فقد رجحنا واحدًا على البواقي بالدليل فلا يتوجه علينا هذا السؤال. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {ذَلِكَ الكتاب}.
يجوز في {ذلك} أن تكون مبتدأ ثانيًا، و{الكتاب} خبره، والجملة خبر {الم} وأغنى الربط باسم الإشَارة، ويجوز أن يكون {الم} مبتدأ.
و{ذلك} خبره، و{الكتاب} صفة ل {ذلك} أو بدل منه، أو عطف بيان، وأن يكون {الم} مبتدأ، و{ذلك} مبتدأ ثانٍ، و{الكتاب} إما صفة له، أو بدل منه، أو عطف بيان له.
و{لا ريب فيه} خبر عن المبتدأ الثاني، وهو خبره خبر عن الأول.
ويجوز أن يكون {الم} خبر مبتدأه مضمر، تقديره: هذا ألم، فتكون جملة مستقلة بنفسها، ويكون {ذلك} مبتدأ ثانيًا، و{الكتاب} خبره.
ويجوز أن يكون صفة له، أو بدلًا، أو بيانًا، و{لا ريب فيه} هو الخبر عن {ذلك} أو يكون {الكتاب} خبرًا ل {ذلك} و{لا ريب فيه} خبر ثان، وفيه نظر من حيث إنه تعدّد الخبر، وأحدهما جملة، لكن الظاهر جوازه؛ كقوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى} [طه: 20]، إذا قيل بأن {تسعى} خبر.
وأما إن جُعِلَ صفة فلا.
و{ذلك} اسم إشارة: الاسم منه ذا، واللام للبعد، والكاف للخطاب، ولها ثلاث رُتَب:
دُنْيَا: ولها المُجَرّد من اللام والكاف نحو: ذا وذي وهذا وهذي.
وَوُسْطَى: ولها المتّصل بحرف الخطاب، نحو ذاك وذيك وتيك.
وقُصْوَى: ولها المتّصل باللام والكاف نحو: ذلك وتلك.
ولا يجوز أن تأتي باللام إلاّ مع الكاف، ويجوز دخول حرف التَّنبيه على سائر أسماء الإشارة إلاّ مع اللاَّم، فيمتنع للطول.
وبعض النحويين لم يذكر إلاّ رتبتين: دُنْيَا وغيرها.
واختلف النحويون في ذا هل هو ثلاثي الوضع أم أصله حرف واحد؟
الأول قول البصريين، ثم اختلفوا على عينه ولامه ياء، فيكون من باب حيي، أو غينه واو ولامه ياء فيكون من باب غويت ثم حذفت لامه تخفيفًا، وقلبت العين ألفًا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، وهذا كله على سبيل التّمرين.
وأيَّا فهذا مبني، والمبني لا يدخله تصريف، وإنما جيء هنا بإشارة البعيد تعظيمًا للمُشَار إليه ومنه: الطويل:
أَقُولُ لَهُ والرُّمْحُ يَأْطِرُ مَتْنَهُ ** تَأَمَّلْ خُفَافًا إِنَّنِي أنا ذَلِكَا

أو لأنه لما نزل من السَّماء إلى الأرض أشير بإشارة البعيد.
أو لأنه كان موجودًا به بنبيّه عليه الصلاة والسلام.
أو أنه أشير به إلى ما قضاه وقدّره في اللَّوح المحفوظ.
وفي عبارة المفسرين أشير بذلك إلى الغائب يعنون البعيد، وإلا فالمشار إليه لا يكون إلا حاضرًا ذِهْنًا أو حِسًّا، فعبروا عن الحاضر ذِهْنًا بالغائب أي حسّا وتحريرًا لقول ما ذكرته لك.
وقال الأصَمّ وابن كيْسَان: إن الله- تعالى- أنزل قبل سورة البقرة سورًا كذب بها المشركون، ثم أنزل سورة البقرة فقال: {ذلك الكتاب} يعني ما تقدّم البقرة من السّور لا شك فيه.
و{الكتاب} في الأصل مصدر؛ قال تعالى: {كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ} [النساء: 24] وقد يراد به المكتوب، قال الشاعر: الطويل:
بَشَرْتُ عِيَالِي إِذْ رأَيْتُ صَحِيفَةً ** أَتَتْكَ مِنَ الحَجَّاجِ يُتْلَى كِتَابُهَا

ومثله الوافر::
تُؤَمِّلُ رَجْعَةً مِنِّي وفِيهاَ ** كِتَابٌ مِثْلُ مَا لَصِقَ الْغِرَاءُ

وأصل هذه المادة الدّلالة على الجَمْعِ، ومنه كتيبة الجَيْش، وكَتَبْتُ القربة، وكَتَبْتُ القربة: خَرَزْتُها، وَالكُتَبة- بضم الكاف الخرزة، والجمع كَتَب، قال: البسيط:
وَفْرَاءَ غَرْفِيَّةٍ أَثْأَى خَوَارِزُهَا ** مُشَلْشِلٌ ضَيَّعَتْهُ بَيْنَهَا الْكُتَبُ

وكَتَبْتُ الدَّابة إذا جَمَعْتَ بين شُفْرَي رَحِمِها بِحَلْقَةٍ أَو سَيْرٍ قال الشاعر: البسيط:
لاَ تَأْمَنَنَّ فَزَارِيَّا حَلَلْتَ بِهِ ** عَلَى قَلُوصِكَ واكتُبْهَا بِإِسْيَارِ

والكتابة عرفًا ضمّ بعض حروف الهجاء إلى بعض.
قال ابن الخطيب: واتفقوا على أنَّ المراد من الكتاب القرآن، قال تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [ص: 29].
والكتاب جاء في القرآن جاء في القرآن على وجوه:
أحدها: الفرض {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص} [البقرة: 178] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} [البقرة: 183]، {إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103].
ثانيها: الحُجَّة والبُرْهان: {فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الصافات: 157] أي: بِبُرْهانكم وحجّتكم.
ثالثها: الأَجَل: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} [الحجر: 4] أي: أَجَل.
رابعها: بمعي مُكَاتبة السيد عبده: {والذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 33] وهذا المصدر فِعَال بمعنى المُفَاعلة كالجِدَال والخَصَام والقِتَال بمعنى: المُجَادلة والمُخَاصمة والمُقَاتلة.
قوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ}.
يجوز أن يكون خبرًا كما تقدّم بيانه.
قال بعضهم: هو خبر بمعنى النّهي، أي: لا ترتابوا فيه كقوله تعالى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ} [البقرة: 197] أي: لا ترفثوا ولا تفسقوا.
قرأ ابن كثير: {فِيهِ} بالإشباع في الوَصْلِ، وكذلك كل هاء كناية قبلها ساكن يشبعها وصلًا ما لم يَلِهَا ساكن، ثم إن كان السَّاكن قبل الهاء ياء يشبعها بالكسر ياء، وإنْ كان غيرها يشبعها بالضم واوًا، ووافقه حفص في قوله: {فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 69] فأشبعه.
ويجوز أن تكون هذه الجملة في محلّ نصب على الحال، والعامل فيه معنى الإشارة، ولا نافية للجنس محمولة في العمل على نقيضها.
إنَّ، واسمها معرب ومبني:
فيبنى إذا كان مفردًا نكرة على ما كان ينصب به، وسبب بنائه تضمنّه معنى الحرف، وهو من الاسْتِغْرَاقِيَّة يدلّ عليه ظهورها في قول الشاعر: الطويل:
فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِهِ ** فَقَالَ إلاَ لاَ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى هِنْدِ

وقيل: بني لتركُّبه معها تركيب خمسةَ عَشَرَ، وهو فاسد وبيانه في غير هذا الكتاب.
وزعم الزَّجَّاج أن حركة لاَ رَجُلَ ونَحْوِه حركة إعراب، وإنما حذف التنوين تخفيفًا، ويدل على ذلك الرجوع إلى هذا الأصل كقوله: الوافر:
ألاَ رَجُلًا جَزَاهُ اللهُ خَيْرًا ** يَدُلُّ عَلَى مُحضصِّلَةٍ تَبِيتُ

ولا دليل له لأن التقدير: إَلاَ تَرَونَنِي رَجُلًا؟
فإن لم يكن مفردًا- وأعني به المضاف والشبيه به- أُعْرِبَ نَصْبًا نحو: طلا خيرًا من زيد، ولا عمل لها في المعرفة ألبتة، وأما نحو قوله: الطويل:
تُبَكِّي عَلَى زَيْدٍ ولاَ زَيْدَ مِثْلُهُ ** بَرِيءٌ مِنَ الحُمَّى سَلِيمُ الجَوَانِحِ

وقول الآخر: الوافر:
أَرَى الْحَاجَاتِ عَنْدَ أَبِي خُبَيْبٍ ** نَكِدْنَ وَلاَ أُمَيَّةَ فِي البِلاَدِ

وقول الآخر: الرجز:
لاَ هَيْثَمَ اللَّيْلَةَ لِلْمَطِيِّ

وقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «لا قُرَيْشَ بعد اليَوْمِ، إذا هلك كِسْرَى، فلا كسرى بَعْدَه» فمؤوَّل.
و{رَيْبَ} اسمها، وخبرها يجوز أن يكون الجار والمجرور وهو {فيه} إلاّ أن بني تميم لا تكاد تذكر خبرها، فالأولى أن يكون محذوفًا تقديره: لا ريب كائن، ويكون الوَقْفُ على {ريب} حينئذ تامَّا، وقد يحذف اسمها ويبقى خبرها، قالوا: لا عليك أي: لا بأس عليك.
ومذهب سيبويه رحمه الله: أنها واسمها في مَحَلّ رفع بالابتداء، ولا عمل لها في الخبر.
ومذهب الأخفش: أن اسمها في مَحَلّ رفع، وهي عاملة في الخبر.
ولها أحكامٌ كثيرة، وتقسيمات منتشرة مذكورة في كتب النحو.
واعلم أن لا لفظ مُشْتَرَك بين النَّفي، وهي فيه على قسمين:
قسم تنفي فيه الجنس فتعمل عمل إنَّ كما تقدم، وقسم تنفي فيه الوحدة، وتعمل حينئذ عمل ليس، ولها قسم آخر، وهو النهي والدُّعاء فتجزم فعلًا واحدًا، وقد تجيء زيادة كما تقدم في قوله: {وَلاَ الضآلين} [الفاتحة: 7].
والرَّيْب: الشّك مع تهمة؛ قال في ذلك: الخفيف.
لَيْسَ فِي الْحَقِّ يَا أُمَيْمَةُ رَيْبٌ ** إِنَّمَا الرَّيْبُ مَا يَقُولُ الكَذُوبُ

وحقيقته على ما قال الزَّمخشري: قلق النفس واضطرابها.
ومنه الحديث: «دَعْ ما يُرِيبُكَ إلى ما يُرِيبك».
ومنه أنه مَرّ بظبي خائفٍ فقال: «لاَ يُرِبهُ أَحَد بشيءٍ».
فليس قول من قال: الرَّيب الشك مطلقًا بجيّد، بل هو أخصّ من الشَّك كما تقدم.
وقال بعضهم: في الرّيب ثلاثة معانٍ:
أحدها: الشّك؛ قال ابن الزِّبَعْرَى: الخفيف.
لَيْسَ فِي الحَقِّ يَا أُمَيْمَةُ رَيْبٌ

وثانيها: التُّهْمَةُ؛ قال جميل بُثَيْنَةَ: الطويل:
بُثَيْنَةُ قَالَتْ يَا جَمِيلُ أَرَيْتَنِي ** فَقُلْتُ كِلاَنَا يَا بُثَيْنُ مُرِيبُ

وثالثها: الحاجات؛ قال: الوافر:
قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ** وَخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمَعْنَا السُّيُوفَا

قال ابن الخطيب: الريب قريب من الشك، وفيه زيادة، كأنه ظن سوء، كأنه ظن سوء، تقول: رَابَني أمر فلان إذا ظننت به سوءًا.
فإن قيل: قد يستعمل الريب في قولهم: ريب الدهر وريب الزمان أي: حوادثه، قال تعالى: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} [الطور: 30] ويستعمل أيضًا فيما يختلج في القلب من أسباب الغيظ، كقول الشاعر: الوافر:
قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلُّ رَيْبٍ

قلنا: هذا يرجعان إلى معنى الشك، لأن من يخاف من ريب المنون محتمل، فهو كالمشكوك فيه، وكذلك ما اختلج بالقلب فهو غير متيقن، فقوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} المراد منه: نفي كونه مَظَنَّةً للريب بوجه من الوجوه، والمقصود أنه لا شُبْهَة في صحته، ولا في كونه من عند الله تعالى ولا في كونه معجزًا.
ولو قلت: المراد لا ريب في كونه معجزًا على الخصوص كان أقرب لتأكيد هذا التأويل بقوله تعالى: {وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا} [البقرة: 23].
قوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.
يجوز فيه عدة أوجه:
أحدها: أن يكون مبتدأ، وخبره فيه متقدمًا عليه إذا قلنا: إن خبر {لا} محذوف.
وإن قلنا: {فيه} خبرها، كان خبره محذوفًا مدلولًا عليه بخبر {لا} تقديره: لا ريب فيه، فيه هدى، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر تقديره: هو هدى، وأن يكون خبرًا ثانيًا ل {ذلك} على أن يكون {الكتاب} صفةً أو بدلًا، أو بيانًا، و{لا ريب} خبر أول، وأن يكون خبرًا ثالثًا ل {ذلك} على أن يكون {الكتاب} خبرًا أول، و{لا ريب} خبرًا ثانيًا، وأن يكون منصوبًا على الحل من {ذلك} أو من {الكتاب} والعامل فيه على كلا التقديرين اسم الإشارة، وأن يكون حالًا من الضَّمير في {فيه} والعامل ما في الجَارِّ والمجرور من معنى الفعْلٍ، وجعله حالًا مما تقدم: إما على المُبَالغة، كأنه نفس الهُدَى، أو على حذف مضاف، أي: ذا هُدَى، أو على وقوع المصدر موقع اسم الفاعل، وهكذا كلُّ مصدر وقع خبرًا، أو صفة، أو حالًا فيه الأقوال الثلاثة، أرجحها الأول.
وأجازوا أن يكون {فيه} صفةً ل {ريب} فيتعلّق بمحذوف، وأن يكون متعلقًا ب {ريب} وفيه إشكال؛ لأنه يصير مطولًا، واسم {لا} إذا كان مطولًا أعرب إلاّ أن يكون مُرَادهم أنّه معمول لِمَا عليه {ريب} لا لنفس {ريب}.
وقد تقدّم معنى الهدى عند قوله تبارك وتعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6].
و{هُدّى} مصدر على وزن فُعَل فقالوا: ولم يجئ من هذا الوزن في المَصَادر إلا سُرّى وبُكّى وهُدّى، وجاء غيرها، وهو لَقِيتُهُ لُقًى؛ قال الشَّاعر: الطويل:
وَقَدْ زَعَمُوا حُلْمًا لُقَاكَ وَلَمْ أَزِدْ ** بحَمْدِ الَّذي أَعْطَاكَ حِلْمًا وَلاَ عَقْلا

والهدى فيه لغتان: التذكير، ولم يذكر اللّحْياني غيره.
وقال الفراء: بعض بني أسد يؤنثه، فيقولون: هذه هدى.
وفي معناها الظرفية حقيقةً أو مجازًا، نحو: زيد في الدار، {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ} [البقرة: 179] ولها معان آخر:
المصاحبة: نحو: {ادخلوا في أُمَمٍ} [الأعراف: 38].
والتعليل: إن امرأة النَّارِ في هِرَّةٍ وموافقة على: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} [طه: 71] أي: على جذوع، والباء: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: 11] أي بسببه.
والمقايسة نحو قوله تعالى: {فَمَا مَتَاعُ الحياة الدنيا فِي الآخرة} [التوبة: 38].
والهاء في {فيه} أصلها الضم كما تقدم من أن هاء الكناية أصلها الضم، فإن تقدمها ياء ساكنة، أو كسرة كسرها غري الحجازيين، وقد قرأ حمزة: {لأَهْلِهُ امْكُثُوا} وحفص في: {عَاهَدَ عَلَيهُ الله} [الفتح: 10]، {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ} [الكهف: 63] بلغه أهل الحِجَاز، والمشهور فيها- إذا لم يلها ساكن وسكن ما قبلها نحو: فيه ومنه الاختلاس، ويجوز الإشْبَاع، وبه قرأ ابن كثير، فإن تحرّك ما قبلها أُشْبِعَتْ، وقد تختلس وتسكن، وقرئ ببعض ذلك كما سيأتي مفصلًا إن شاء الله تعالى.
و{للمتقين} جارّ ومجرور متعلّق ب {هدى}.
وقيل: صفة ل {هدى} فيتعلّق بمحذوف، ومحله حينئذ: إما الرفع أو النصب بحسب ما تقدم في موصوفه، أي هدى كائن أو كائنًا للمتقين.
والحسن من هذه الوجوه المتقدمة كلها أن تكون كل جملة مستقلّة بنفسها، ف {الم} جملة إن قيل: إنها خبر مبتدأ مضمر، و{ذلك الكتاب} جملة، و{لا ريب} جملة، و{فيه هدى} جملة، وإنما ترك العاطف لشدّة الوصل؛ لأن كلّ جملة متعلّقة بما قبلها آخذة بعنقها تعلقًا لا يجوز معه الفصل بالعطف.
قال الزمخشري: وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة حيث جيء بها مُتَنَاسقة هكذا من غير حرف نسق.
وذلك لمجيئها مُتَتَابعة بعضها بعنق بعض، والثانية متحدة بالأولى، وهلم جَرًّا إلى الثالثة والرابعة.
بيانه: أنه نبّه أولًا على أنه الكلام المتحدي به، ثم أشير إليه بأنه الكتاب المَنْعُوت بنهاية الكَمَال، فكان تقريرًا لجهة التحدي.
ثم نفى عنه أن يتشبث به طرف من الريب، فكان شهادة بكماله.
ثم أخبر عنه بأنه {هدى للمتقين} فقرر بذلك كونه يقينًا، لا يحوم الشّك حوله، ثم لم تَخْلُ كل واحدة من هذه الأربع بعد أن رتبت هذه الترتيب الأنيق من نُكْتَةٍ ذات جَزَالة: ففي الأولى الحذف، والرمز إلى الغرض بألطف وجه.
وفي الثانية ما في التعريف من الفَخَامة.
وفي الثانية ما في تقديم الريب على الظَّرف.
وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف.
وفي الرابعة الحذف، ووضع المصدر الذي هو {هدى} موضع الوصف الذي هو هاد وإيراده منكرًا.
{المتقين} جمع مُتَّقٍ، وأصله: مُتَّقِيينَ بياءينِ، الأولى: لام الكلمة، والثانية علامة الجمع، فاستثقلت الكسرة على لام الكلمة، وهي الياء الأولى فحذفت، فالتقى ساكنان، فَحذف إحداهما وهي الأولى.
ومتقٍ من اتقى يتّقي وهو مُفْتَعِل الوِقَايَةِ، إلا أنه يطرد في الواو والياءلا إذا كانتا فاءين، ووقعت بعدهما تاء الافتعال أن يبدلا تاء نحو: اتَّعَدض من الوَعْدِ، واتَّسَرَ من اليُسْرِ.
وَفِعْلُ ذلك بالهمزة شاذ، قالوا: اتَّزَرَ واتَّكَلَ من الإِزَارِ، والأَكْلِ.
ولافتعل اثنا عشر معنى:
الاتِّخَاذ نحو: اتقى.
والتسبب نحو: اعمل.
وفعل الفاعل بنفسه نحو: اضطرب.
والتخير نحو: انتخب.
والخطف نحو: استلب.
ومطاوعة أَفْعَلَ نحو: انتصف.
ومطاوعة فَعَّلَ نحو عمّمته فاعتمّ.
وموافقة تَفَاعَلَ وتَفَعَّلَ واسْتَفْعَلَ نحو: احتور واقتسم واعتصم، بمعنى تحاور وتقَسَّم واستعصم.
وموافقة المجرد، نحو اقتدر بمعنى: قَدَرَ.
والإغناء عنه نحو: اسْتَلَم الحجر، لم يُلْفَظْ له بمجرد.
والوقاية: فرط الصيانة، وشدة الاحتراس من المكروه، ومنه فرس وَاقٍ: إذا كان يقي حافِرهُ أدنى شيء يصيبه.
وقيل: هي في أصل اللَّغة قلّة الكلام.
وفي الحديث: «التَّقِيُّ مُلْجَمٌ».
ومن الصيانة قوله: الكامل:
سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ ** فَتَنَاوَلَتْهُ وَاتَّقَتَا بِاليَدِ

وقال آخر: الطويل:
فَاَلْقَتْ قِنَاعً دُوُنَهُ الشَّمْسَ واتَّقَتْ ** بِأَحْسَنِ مَوْصُولَيْنِ كَفَّ وَمِعْصَمِ

قال أبو العباس المقرئ: ورد لفظ الهدى في القرآن بإزاء ثلاثة عشر معنى:
الأول: بمعنى البَيَان قال تعالى: {أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} [البقرة: 5] أي: على بيان، ومثله، {وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] أي: لتبين، وقوله تبارك وتعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17] أي: بَيَّنَّا لهم.
الثاني: الهُدَى: دين الإسلام، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} [آل عمران: 73] أي: دين الحق هو دين الله.
وقوله: {إِنَّكَ لعلى هُدًى} [الحج: 67] أي: دين الحق.
الثالث: بمعنى المَعْرِفَة قال تعالى: {وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] أي: يعرفون، وقوله تعالى: {نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أتهتدي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} [النمل: 41] أي: أتعرف.
الرابع: بمعنى الرسول قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} [البقرة: 38] أي: رسول.
الخامس: بمعنى الرشاد قال تعالى: {واهدنا إلى سَوَاءِ الصراط} [ص: 22] أي أرشدنا.
وقوله: {عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السبيل} [القصص: 22].
وقوله تعالى: {اهدنا الصراط} [الفاتحة: 6].
السادس: بمعنى: القرآن قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهدى} [النجم: 23] أي: القرآن.
السابع: بمعنى: بعثة النبي صلى الله عليه وسلم قال تبارك وتعالى: {وَإِنَّكَ لتهدي} [الشورى: 52].
الثامن: بمعنى شرح الصدور قال تعالى: {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} [الأنعام: 125].
التاسع: التوراة، قال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الهدى} [غافر: 53] يعني: التوراة.
العاشر: الجنة قال تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ} [يونس: 9] أي: يدخلهم الجنة.
الحادي عشر: حج البيت قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96] أي الحج.
الثاني عشر: التوبة قال تعالى: {وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} [يوسف: 52] أي: لا يصلح.
الثالث عشر: التوبة قال تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156] أي: تُبْنَا ورجعنا.